• هم في الحقيقة لم ينحرفوا، كل ما في الأمر أن هناك من لم يربي ولم يغرس القيم، فخبرات الطفولة هي التي ساهمت في صقل شخصياتهم، فجاؤوا بالصورة التي هم عليها في الكبر. وذلك أنهم كانوا في مرحلة الطفولة إذا ما أتوا بسلوك ما أو تلفظوا بكلمات نابية، تشبه تلك التي تصدر عن الكبار، تعالت الضحكات على فكاهة المشهد ونكهة الكلمات من أفواههم.
  • ولم يدرك الآباء أنهم بذلك كانوا يعززون لدى الأبناء الشعور بأن سلوكهم مقبول اجتماعيا، فإذا ما كبروا كان العقاب والإنكار للسلوك ذاته الذي كان يضحكهم، فإذا بالازدواجية في المعايير تخلق لدى الأبناء تذبذب وصراع داخلي فما كان مسموحا بات ممنوعا ويستحق العقاب! وقد يلجأ بعض الآباء إلى تصوير ومشاركة سلوكيات أطفالهم على صفحات مواقع التواصل، متفاخرين بما أنجزوا.
  • فتجد الأب يلتقط صورة لطفله الذي لم يتجاوز الثلاث سنوات، وهو يحمل (النرجيلة) وكأنه يقوم بعمل سيمكنه من تحقيق أكبر الإنجازات عندما يكبر. وترى الأم تلبس طفلتها التي لم تتجاوز الست سنوات الثياب الشبه عارية، وقد تضع لها مساحيق التجميل، وتعلمها بعض الحركات (بوزات لزوم الصورة)، فتجد الفتاة قد خرجت من براءة الطفولة وعفويتها، إلى سلوكيات تخدش الحياء لتصبح تلك السلوكيات من سمات شخصيتها.
  • أي فساد بات الآباء مصدره؟!! لقد انتقلت مهمة الآباء من تربية الأبناء على الأخلاق الحميدة إلى تربيتهم على الإنحراف والسلوكيات المشينة. لو سألنا أنفسنا على ماذا نربي أبناءنا؟ وما هي القيم التي نغرسها في نفوسهم؟ ماذا لو سألنا الله عن أطفالنا؟ كيف حافظنا على الأمانة التي أودعنا إياها الله عزوجل؟ فلنذكر قول النبي عليه الصلاة والسلام:” كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته. “
  • لقد كان في رفع التكليف عن الصغار إلى أن يكبروا، لكونهم في تلك المرحلة رهن تربية الآباء، لتُغرس فيهم القيم التي ستساهم في تكوين شخصياتهم في السنوات الأولى التي تسبق مرحلة البلوغ، ثم لتأتي تلك المرحلة وقد أصبح الطفل بالغا مسؤولا عن سلوكياته.
  • إن الهدف من التربية هو إنشاء شخصيات سليمة وسوية نفسيا في المجتمع، تحقق السعادة لنفسها ولمن حولها، وأكثر ما نفتقده اليوم هو تعليم الأخلاق، أي أن نعلم الأبناء نتائج الأعمال وما لها من نفع أو ضرر، وما يترتب عليها من خير أو شر، ولا تتم التربية الخلقية إلا إذا أصبح عمل الخير واجتناب الشر عادة لاشعورية دون تكلف من الفرد، بأن لا يميل للمنكر أصلا بل يستنكره.
  • وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به.”  ومثال على ذلك أن نخبره أن في الدراسة منافع كثيرة تصلحه وتكوّن شخصيته، لينشأ فردا صالحا يخدم مجتمعه بعلمه، ويحقق ذاته من خلال إنجازاته، فتصبح الدراسة شيئا ذو قيمة محببا إليه. وتنمو لديه مهارة التمييز بين السلوك النافع والضار، فينهل من الأول ويتجنب الأخير، فقد نشأ على مبدأ اختيار الشيء وفقا لقيمته من حيث جلب للمنفعة ودرء المفسدة، والقاعدة الشرعية تقول ” لا ضرر ولا ضرار.
  • وفي الختام لابد من التنويه إلى إن البيئة المحيطة بالطفل هي من أكبر العوامل المساهمة في صقل شخصيته، وهو مفطور على التقليد اللاشعوري لما يحيط به، فإذا حسنت البيئة حسنت آثارها في تكوين الشخصية، وإذا ساءت البيئة ساءت نتائجها في هذا التكوين، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه.”
  • لذا لابد من أن نتقن أداء دور القدوة للأبناء، وأن نحسن اختيار البيئة المحيطة، ولنتنبه إلى أن التربية هي مسؤولية موكلة إلينا، فلنكن سببا في صلاح الأبناء لا فسادهم.

تابعونا عبر وسائطنا على السوشيال ميديا بالضغط على الأيقونة التالية

للاطلاع على خدماتنا الاستشارية عن بعد يمكنكم الضغط على الأيقونة التالية