يعيش كثير من العرب والمسلمين المهاجرين إلى أوروبا وأمريكا وكندا مشاعر الصدمة من اختلاف مفاهيم حقوق الإنسان بين المقروء والانظمة ، وبين ماصدر عن مواقف رسمية من بعض الحكومات أو المسؤولين حول القضية الفلسطينية ، إضافة إلى غياب القنوات الرسمية الفلسطينية للحديث عما يجري والإعتماد الكلي على السوشيال ميديا في المتابعة ، إنتشرت الكثير من الإعلانات التي تروج بالقيام بحملات تطوع أو جمع تبرعات لاحقا تبين أنها تفتقد إلى مصداقية وقد يكون بعضها هدفه تجنيد المراهقين والمندفعين لأغراض أخرى ، وشكل كل مما سبق عوامل ضغط نفسي على ولاة الأمور وهنا سنقوم بذكر البعض منها.
قبل كل شيء عليك عزيزي القارئ ألا تفسر هذا المقال أنه تشجيع لك على وقف التضامن مع قضية فلسطين بأي شكل من الأشكال، بل انه يضيء لك الطريق لضرورة التعامل الصحيح مع الأخبار الواردة بطريقة تحفظ فيها نشاطك اليومي وأيضا متابعتك لما يحدث، فإحدى تكتيكات الحرب النفسية إيقاع المتابعين بفخ الإجهاد من المتابعة وتحييدهم عن المعركة.
لقد لوحظ أن أكثر الصور إيلاما هي صور الأطفال في الحرب وهي تحرك مشاعر القلق والغضب، وقد يمتد تأثيرها إلى أبعد من ذلك على نفسية المتابعين القابعين خلف شاشات الموبايل، ولقد لوحظ هذا التأثير حتى في المجتمعات الغربية التي ليست على تهديد مباشر مما يجري.
(ماذا لو كان ابني؟!)، هكذا يبدأ التفكير من قبل المتابع و(ماذا لو كان ابنك؟!)، هكذا يبدأ الخطاب بين الناس ولبعضهم، أحيانا لحثهم على المتابعة أو لدعم القضية أو لأهداف أخرى، ليدخل بعدها المتابع في دوامة أكبر، مثل ماذا لو كنا نحن؟
دعك من ادعاء الآخرين للوهلة الأولى أنهم غير مهتمين عندما يشاهدون المجازر ولو من خلال صورة عابرة ، لكن ما يجري يحرك في النفس البشرية الكثير والكثير من الأسئلة ومن ثم تأتي سرديات الانترنت والسوشيال ميديا التاريخية لتضيف تراجيديا أخرى على المشهد كظهور المسيح الدجال أو حرب نهاية الكون أو ظهور المهدي وقصص أخرى لا تحتويها أي كتب دينية يبتكرها الهواة والانفلونسر ليزيدوا المتابعة لحساباتهم وصفحاتهم.
هذه العوامل تضفي على المشهد عوامل ضاغطة نفسية، يضاف عليها في منطقتنا العربية شعور داخلي في بعض المجتمعات المغضوب عليها أنها يمكن أن تتعرض لمجزرة في أي وقت أو انتهاك من قبل السلطات الموجودة، وأن السنوات العشر الأخيرة أثبتت أنه لايوجد دولة محصنة ضد الصراعات، عدا أنها منطقة مستهدفة نتيجة تواجد عدد كبير من المسلمين، وفي حال حصول ذلك فلا نصير لنا كما الفلسطينيين.
أيضا هناك عوامل ضاغطة أخرى عند بعض الأهل خوفا على أولادهم الذين يتابعون وبدأوا يسألون ويتساءلون من وماذا ولماذا؟ فإن كانوا أطفال فهم يخشون على نفسياتهم وإن كانوا أكبر فإنهم يخافون عليهم من سلك طرق الذهاب للقتال والالتحاق بجماعات مسلحة بطرق ملتوية تستطيع عدة وسائل وخاصة الالكترونية تجنيدهم للقتال تحت ذريعة الحرب الحالية.
هذه العوامل التي قمت بذكر أمثلة عنها على سبيل الذكر وليس الحصر تدخل البعض في دوامة من الضغوطات النفسية في مثل هذه الأزمات والتي تتداخل فيها وسائل المتابعة، فعندما تقوم بربط المنبه على الموبايل للاستيقاظ على صلاة الصبح لا تستطيع منع نفسك من التعريج قليلا على الاخبار لتجد نفسك وقد أضعت ساعة في المتابعة هنا وهناك.
ولتكتمل هذه المعاناة الصامتة التي تمتلكك وتصيبك بالعجز بأنك غير قادر على فعل شيء تجد أحد أطفالك يسألك وقد شاهد شيئا مما يحدث: أبي أمي لماذا يقتلون الأطفال؟ هل سيقتلوننا؟ لماذا لا يدافع الله عن هؤلاء الأطفال؟ ويزيد الطين بلة وجودك بدولة تصرح أعلى سلطة مسؤولة فيها أنها متضامنة مع حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد من تجده عدو وتتبنى نظريات أو ايحاءات لا تدعم نضال الفلسطينيين، فكيف ستتصرف مع سلوكيات الطفل الذي يقول مقتنعا ان قتلة الأطفال أشرار كما تعلم في كرتون الأطفال؟
في الأسطر التالية سأشرح لك بالخطوات طريقة التعامل مع الأخبار التي تنقل الصراعات والحروب والصور التي تتجاوز التجربة الإنسانية مثل صور الدماء والشظايا والأشلاء، لكن أعيد ما كتبته في الأسطر الأولى لا ينبغي بأي شكل من الأشكال أن يفهم من كلامي أنني أدعوك لترك التضامن مع القضايا المحقة بل أدعوك للحفاظ على أكبر قدر من المتانة النفسية لتكون واقفا بجانب هذه القضايا فهي تحتاجنا جميعا.
أيضا عليك معرفة حقيقة أن مرجعيات الطب والطب النفسي لا يتم كتابتها والاتفاق عليها بشكل يراعي بيئتنا العربية أو الإسلامية او أي دين، بل هي تكتب بالهيئات الدولية العلمية وقد تجد بعضها مخالفا للقيم الإسلامية، أو أن بعض الإعلاميين نقلها بشكل يدعوك لترك الاهتمام بالشؤون العامة ويضخم لك الاثار النفسية، وهنا قد يكون ناقل هذه الدراسات مدفوعا من قبل احدى الجهات السياسية لتحييدك عن المتابعة وافتراض هشاشتك النفسية مسبقا وجعلك ضحية وهنا قد يتواجد أهداف خفية لذلك.
كنصيحة أولى وقبل كل شيء عليك أن تدرك انه لا يمكنك وضع عائلتك في قفص محمي من الاخبار والقفل عليهم (بالضبة والمفتاح) كما يقول أهل مصر عاجلا أو آجلا سيعرفون ما يحصل وسيتفاعلون معهم وعليك بناء تفاعلهم حسب مصلحتك ومصلحتهم وعليك الاستماع لهم كثيرا قبل البدء بتوجيههم وعليك أيضا معرفة ما يدور بخلد رفاقهم وأصدقائهم في المدرسة أو عبر المجتمعات الرقمية التي يتواجدون فيها وتتمحور حياتهم حولها.
بعد معرفة ذلك عليك اختيار الاستراتيجية الملائمة والتي تجد انهم سيقتنعون بها لتنفيذها وألا تكون فرضا عليهم وان تساعدهم على إنشاء فلاتر فكرية لما يسمعونه من حولهم محددا لذلك مبادئ تقوم عليها العائلة مسبقا مثل مبادئ العدل أو مبادئ دينية أو مبادئ وقوانين البلد.
تذكر ألا تصدق ايماءات الامتثال لما تقول من أفراد عائلتك وخاصة المراهقين، وبشكل أكثر تحديدا عندما تكون منفعلا وأنت تتحدث معهم، فهم فقط يريدون اقناعك بأنهم منصتون في بعض الأحيان طبعا، لديهم قناعات وأفكار قاموا بتجميعها من خلال المشاهدات أو من خلال أصدقائهم، حاول أن تكتشفها وإياك والتعنيف او الضرب لهم، كن صديقهم.
ثانيا على المستوى الشخصي عليك اتباع بعض الوسائل لحماية نفسك من غزو الأخبار السياسية لحياتنا وعلى رأسها تقييد متابعة هذه الاخبار من خلال تحديد الوقت والمصادر، فمن حيث الوقت إياك والنوم وانت تتابع الأخبار ومن حيث المصادر تجنب المصادر التي لاتعجيك أو لا تتوافق مع قناعاتك وإذا كنت غير مؤهل لا تدخل في نقاشات افتراضية حول الموضوع حتى لا تكتسب طاقة سلبية أنت بغنى عنها.
ثالثا على المستوى الوظيفي وذلك جدا ضروري في بيئات عمل أو دول تقوم بملاحقة المتضامنين وأذيتهم يتوجب عليك هنا عدم التحدث بالأمور السياسية في مكان العمل، فهنا عدا عن البيئة غير المريحة بالعمل لدينا شعور ضاغط بان أي ايماء أو حركة او نقاش قد يسبب أذى وهذا يجعل يوم العمل سام.
أخيرا على المستوى الجمعي والمجتمعي عليك ألا تفترض أن كل الموجودين حول يتبنون نفس الفكر وطريقة النقاش للقضية لذلك عليك أن تكون مستعدا لكثير من الإحباط إذا سمعت من الناس أراءهم وقد يفاجئك كم الاستهتار بالأرواح عند حديثهم، وهنا ننصحك بتجنبهم مؤقتا.
وفي النهاية لا تتردد بالحصول على المساعدة عبر طلبها من الاختصاصين والمرشدين الاسريين إذا وجدت أنك ومنزلك أو عائلتك في ورطة نفسية او تأثرتم بما يجري وهنا عليك اختيار الشخص المناسب لأفكارك ويستدل على ذلك من خلال تواجده الرقمي وإظهار أدلة تؤكد أنه يتبني نفس أفكارك حتى يساعدك في خطة للخروج من المأزق النفسي.